حكم استقدام الكفار للعمل في جزيرة العرب
السؤال: يقول: لدينا عمال هندوس يعبدون الأبقار من دون الله، وقد عرضنا على بعضهم الإسلام فرفضوا بحجة أن أهلهم سيقتلونهم إذا أسلموا، فماذا يجب علينا تجاههم؟
الجواب:
أولاً: يجب أن نعلم جميعاً أنه لا يجوز أن يجتمع في جزيرة العرب دينان، وجزيرة العرب تشمل من أطراف العراق والشام شمالاً، إلى البحر العربي وخليج عدن جنوباً، والخليج شرقاً والبحر الأحمر غرباً، حتى يدخل فيها جميع دول الخليج، وقال بعض العلماء: يدخل فيها البصرة أيضاً، أي: جنوب العراق وبادية الشام، فكل هذا جزيرة العرب، ولا يجتمع في جزيرة العرب دينان.
فقد أوصى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في موته بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وأخرجهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أنهم كانوا في خيبر، وكانوا كالرقيق يعملون في الأرض، ويزرعونها للمسلمين، فهم كالعبيد، ومع ذلك أخرجهم عمر رضي الله عنه وأجلاهم إلى بلاد الشام.
فلا يجوز استقدام العمال من غير المسلمين إلى جزيرة العرب بأكملها، بما فيها دول الخليج واليمن، فضلاً عن هذه البلاد التي فيها الحرمان الشريفان، وقد أفتى العلماء بذلك، ومنها فتوى طويلة لسماحة شيخنا ووالدنا الشيخ عبد العزيز بن باز حفظة الله في كتابه مجموع الفتاوى المطبوع، بيَّن فيها هذه الأدلة وأكثر منها.
فلا يجوز لأي إنسان منا أن يستقدم عمالاً كفاراً، ثم ألا تدرون أن الكفار يتقوون بما نعطيهم على المسلمين، وأن هذا فيه موالاة ومحبة لهم، وفيه تعظيم وتقدير لهم، وهذا كله نحن منهيون عنه.
فلا يجوز أن نستقدم العمال الكفار، ولا يقل شخص: لم أعلم، فالذي يقول: لم أعلم العجب منه أكثر من الذي يقول: لم أجد؛ لأن الذي لا يعلم معنى ذلك أن الإنسان لم يجعل موضوع الدين وارداً على ذهنه أصلاً، فذهب إلى هناك وأخذ، مثل الذي يروح إلى سوق الغنم، ويشتري كم رأس غنم وينصرف ولا يسأل، فهذا يذهب إلى بلاد فيها مسلمون وكفار، وفيها أبرار وفجار، ثم لا يسأل، وتقول: لم أعرف، وعندما رجعت إلى هنا علمت أنهم هندوس، فهذا الكلام لا يجوز ولا ينبغي.
وفي دول معروف أن الأغلبية فيها كفار، مثل كوريا والفلبين والصين وتايوان، ففي هذه البلدان أكثرهم أو كلهم كفار إلا النادر، وهذا كما في كوريا.
أما الذين معهم عمال هنا في البلاد فيجب عليه أن يسفره، ويخرجه من جزيرة العرب، وليس لأحد عذر في هذا، لأن البديل موجود، وإلا يكون الأمر كما كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وكان والياً على الكوفة، فاستخدم كاتباً نصرانياً، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: [[بلغني أن لديك كاتباً نصرانياً فأبعده]].
وهذا لم يكن في جزيرة العرب، لكن لأنه كاتب تمر عليه بعض معاملات وأمور من أمور المسلمين فلا يجوز، فقال: [[إنه يحسن الحساب]] وذكر أن عنده خبرة في الأمور، ونحن من أجل خبرته أتينا به، فكتب إليه رضي الله عنه: [[إذا جاءك كتابي هذا فهب أن النصراني مات، والسلام]] إذا مات النصراني ماذا تفعل؟ فـعمر رضي الله عنه جعلك أمام أمر واقع.
ثم إن هؤلاء -والله- لا يضمرون لنا إلا الغش في الدنيا والآخرة.
أما الذين لا ينهانا الله عنهم، فهم الذين لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا، فهؤلاء لا ينهانا أن نبرهم ونحسن إليهم، كما بين الله تعالى في سورة الممتحنة.
فهذه حالة المسلمين لما كانوا في المدينة ولهم أقرباء كانوا في مكة، فكان الصحابة رضي الله عنهم يتحرجون من معاملتهم بعد أن أنزل الله أول السورة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ))[الممتحنة:1] فبين الله تعالى أنه من كان من الأقارب، أو في حالة كون الإسلام والدعوة في أول أمرها، أو إذا ابتعثت إلى أمريكا مثلاً، واضطررت إلى ذلك، وأنت بين قوم كفار، فلا ينهانا ديننا عن الصلة لأهل الصلة والبر كالوالدين وإن كانا كافرين، قال تعالى: ((فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً))[لقمان:15] أو الإحسان والعدل، فنحن لا نظلمهم التعامل وإن كانوا كفاراً.
فانتشار الكفار في هذه البلد الطاهرة شيء عجيب.
ثم عذره في عدم الإسلام هو ليس بعذر، يقول: أخاف أن يقتلوني، فنقول: يجب على الإنسان أن يعلم أن هذا الدين نجاة من عذاب الدنيا والآخرة، وخروج من جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن كل عبادة العباد أو الأبقار أو الأحجار أو الأشخاص أو البشر أو الزعماء؛ إلى عبادة الله وحده.
فهذه قضية يهون أمامها أي شيء، ثم نحن الدعاة علينا أن ندعوه حتى يتمكن الإيمان من قلبه -بإذن الله تعالى- وسوف يهون بعد ذلك كل شيء عليه، ويضحي بكل شيء.
ومما نقوله له: أنه يوجد في الهند مسلمون وفي غيرها فلم يقتلوا، وإن قتلوا فلا بد من الصبر، ويوجد من أسلم وكان هداية قريته على يده -والحمد لله- وهذا موجود في الهند وغيرها، فلا عذر لأحد في أن يضل على شركه وكفره ولكن: ((إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ))[النحل:106] إذا آمن ورأى أنهم يكرهونه على الكفر،فهذا قد أعذره الله تبارك وتعالى.